فصل: الحديث الثَّانِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الحَادِي عشر:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا نَام العَبْد فِي صلَاته باهى الله بِهِ مَلَائكَته، يَقُول: انْظُرُوا لعبدي، روحه عِنْدِي، وَجَسَده ساجد بَين يَدي».
هَذَا الحَدِيث ذكره الإِمَام الرَّافِعِيّ تبعا للْإِمَام فِي النِّهَايَة، فَإِنَّهُ قَالَ: حُكيَ عَن نَص الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم أَن النّوم قَائِما أَو رَاكِعا أَو سَاجِدا لَا ينْقض؛ وَإِن نَام فِي غير الصَّلَاة كَذَلِك ينْقض وضوءه، وَإنَّهُ اعْتمد فِي هَذَا القَوْل هَذَا الحَدِيث.
قلت: وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف؛ يرْوَى من طرق:
أَحدهَا: عَن أنس رَضي اللهُ عَنهُ مَرْفُوعا: «إِذا نَام العَبْد فِي سُجُوده باهى الله بِهِ مَلَائكَته، يَقُول: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي؛ روحه عِنْدِي، وَجَسَده فِي طَاعَتي».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته من حَدِيث دَاوُد بن الزبْرِقَان، عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ، عَن أنس، ثمَّ قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا بِالْقَوِيّ؛ ثمَّ لَيْسَ فِيهِ أَنه لَا يخرج بِهِ من صلَاته، وَالْقَصْد مِنْهُ- إِن صَحَّ- الثَّنَاء عَلَى العَبْد المواظب عَلَى الصَّلَاة حَتَّى يغلبه النّوم، وَقد أَمر فِي الرِّوَايَة الصَّحِيحَة عَن أنس بالانصراف إِذا نعس، رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيثه بِلَفْظ «إِذا نعس وَهُوَ يُصَلِّي فلينصرف فلينم؛ حَتَّى يعلم مَا يَقُول».
رَوَاهُ مُسلم أَيْضا وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها محتجًّا فِي إِيجَاب الْوضُوء من النّوم، فَأمر النَّبِي الناعس فِي الصَّلَاة بالانصراف، وَلَو بَقِي فِيهَا تبقى الطَّهَارَة، كَمَا زعم الْمُخَالف لما أَمر بالانصراف.
وَكَذَا أجَاب بِهَذَا الْجَواب: ابْن حزم فِي محلاه أَعنِي: أَنه لَو صَحَّ لم يكن فِيهِ دلَالَة؛ بل الْقَصْد مِنْهُ الثَّنَاء كَمَا سلف.
وَلِحَدِيث أنس هَذَا طَرِيق ثَان من حَدِيث حَمَّاد عَن أبان عَنهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِ: «أقرب مَا يكون العَبْد من ربه وَهُوَ ساجد؛ إِن الله- عَزَّ وجَلَّ- ليباهي بِهِ مَلَائكَته إِذا كَانَ نَائِما فِي سُجُوده، يَقُول: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي؛ روحه عِنْدِي، وَجَسَده فِي طَاعَتي». أسْندهُ الْحَافِظ زكي الدَّين الْمُنْذِرِيّ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى «أَحَادِيث الْمُهَذّب» ثمَّ علله بِأَبَان، وَقَالَ: إِنَّه ضَعِيف. وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا الحَدِيث يرْوَى من رِوَايَة أنس وَهُوَ ضَعِيف جدًّا، وَقَالَ بعد ذَلِك بأوراق: اتَّفقُوا عَلَى ضعفه، وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن الصّلاح فَقَالَ فِي الْقطعَة الَّتِي لَهُ عَلَى الْمُهَذّب: إِنَّه حَدِيث لَيْسَ بِثَابِت.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن أبي هُرَيْرَة رَضي اللهُ عَنهُ رَفعه: «إِذا نَام العَبْد وَهُوَ ساجد؛ يَقُول الله- عَزَّ وجَلَّ-: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي؛ روحه عِنْدِي، وبدنه ساجد لي وَجَسَده».
رَوَاهُ ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه من حَدِيث حجاج بن نصر، ثَنَا الْمُبَارك بن فضَالة، عَن الْحسن عَنهُ، وَهُوَ مُنْقَطع؛ لِأَن الْحسن لم يسمع من أبي هُرَيْرَة، كَمَا قَالَه الْجُمْهُور، وَقَالَ يُونُس بن عبيد: مَا رَآهُ قطّ، وَذكر أَبُو زرْعَة وَأَبُو حَاتِم أَن من قَالَ عَن الْحسن، ثَنَا أَبُو هُرَيْرَة؛ فقد أَخطَأ، وَخَالف فِي ذَلِك قَتَادَة فَقَالَ: إِنَّمَا أَخذ الْحسن عَنهُ. وَلما ذكره الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله بِلَفْظ: «إِن الله- تَعَالَى- يَقُول: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي نَام سَاجِدا وروحه عِنْدِي».
قَالَ: هَذَا حَدِيث يرويهِ عباد بن رَاشد، عَن الْحسن، عَن أبي هُرَيْرَة، وَقيل عَن الْحسن، بلغنَا أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:... فَذكر الحَدِيث؛ وَلَا يثبت سَماع الْحسن من أبي هُرَيْرَة.
قيل للدارقطني: قد قَالَ مُوسَى بن هَارُون، إِنَّه سمع مِنْهُ، فَقَالَ: سَمعه الحكم وَلم يسمع الْحسن من أبي هُرَيْرَة، وَحكي لنا عَن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي أَنه قَالَ: لم يسمع مِنْهُ. وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه: هَذَا حَدِيث لَا شَيْء؛ لِأَنَّهُ مُرْسل، لم يخبر الْحسن مِمَّن سَمعه.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ- رَفعه-: «إِن الله ليضحك إِلَى ثَلَاثَة نفر: رجل قَامَ فِي جَوف اللَّيْل فَأحْسن الطّهُور ثمَّ صَلَّى، وَرجل نَام وَهُوَ ساجد؛ وَرجل يحمي كَتِيبَة منهزمة؛ فَهُوَ عَلَى فرس جواد، لَو شَاءَ أَن يذهب لذهب». رَوَاهُ ابْن شاهين فِي ناسخه ومنسوخه من حَدِيث عِيسَى بن الْمُخْتَار، عَن مُحَمَّد بن أبي لَيْلَى، عَن عَطِيَّة، عَن أبي سعيد بِهِ.
وعلته: عَطِيَّة هَذَا؛ وَهُوَ ضَعِيف بِالْإِجْمَاع، وَانْفَرَدَ ابْن معِين فِي قَوْله فِيهِ: هُوَ صَالح الحَدِيث وَقد ظهر- بِحَمْد الله وَمِنْه- ضعف الحَدِيث من طرقه؛ فَلَا يحْتَج بِهِ إِذا، وَقد أسلفنا الْجَواب عَنهُ عَلَى تَسْلِيم صِحَّته.
فَائِدَة: المباهاة: الْمُفَاخَرَة، وَفِي حق الله- تَعَالَى-: إِظْهَار رِضَاهُ، قَالَه صَاحب مجمع الغرائب.

.الحديث الثَّانِي عشر:

عَن عَائِشَة رَضي اللهُ عَنها قَالَت: «أَصَابَت يَدي أَخْمص قدم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة، فَلَمَّا فرغ من الصَّلَاة قَالَ: أَتَاك شَيْطَانك!».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من طَرِيقين بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ، وهما من أَفْرَاده.
الأول: من رِوَايَة ابْن أبي مليكَة عَنْهَا قَالَت: «افتقدت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة، فَظَنَنْت أَنه ذهب إِلَى بعض نِسَائِهِ، فتحسست ثمَّ رجعت، فَإِذا هُوَ رَاكِع- أَو ساجد- يَقُول: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت. فَقلت: بِأبي أَنْت وَأمي، إِنِّي لفي شَأْن، وَإنَّك لفي آخر!».
الثَّانِي: عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَنْهَا قَالَت: «فقدت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة من الْفراش، فالتمسته فَوَقَعت يَدي عَلَى بطن قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد وهما منصوبتان، يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عُقُوبَتك، وَأَعُوذ بك مِنْك، لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْك، أَنْت كَمَا أثنيت عَلَى نَفسك».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: «فَوَقَعت يَدي عَلَى بطن قَدَمَيْهِ وهما منصوبتان، وَهُوَ ساجد يَقُول...» فَذكره. وَأما لَفْظَة: «أَتَاك شَيْطَانك» فرواها الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي بَاب: ضم العقبين فِي السُّجُود، وَكَذَا الْحَاكِم فِي صَحِيحه وَقَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَذكرهَا مُسلم فِي أَوَاخِر صَحِيحه قبيل كتاب الْجنَّة عَنْهَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام خرج من عِنْدهَا لَيْلًا، قَالَت: فغرت عَلَيْهِ، فجَاء فَرَأَى مَا أصنع، فَقَالَ: مَا لَك يَا عَائِشَة أغرت؟ فَقلت: وَمَا لي لَا يغار مثلي عَلَى مثلك؟! فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: لقد جَاءَك شَيْطَانك. قَالَت: يَا رَسُول الله، أومعي شَيْطَان؟! قَالَ: نعم. قلت: وَمَعَ كل إِنْسَان يَا رَسُول الله؟ قَالَ: نعم. قلت: ومعك يَا رَسُول الله؟! قَالَ: نعم، وَلَكِن رَبِّي أعانني عَلَيْهِ حَتَّى أسلم».
وَأَبْدَى الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بطرِيق مُسلم الثَّانِيَة السالفة عِلّة فِيهَا نظر فَقَالَ بعد أَن أخرجه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَعَزاهُ إِلَى مُسلم دون قَوْله «وَهُوَ ساجد»: رَوَاهُ وهيب، ومعتمر، وَابْن نمير بِدُونِ ذكر أبي هُرَيْرَة فِي إِسْنَاده. وَوجه النّظر الَّذِي أَشَرنَا إِلَيْهِ أَن من ذكر أَبَا هُرَيْرَة فِيهِ لين دون من أسْقطه، وَقد قَالَ البرقاني- فِيمَا نَقله الْحميدِي فِي جمعه عَنهُ-: وَافق عَبدة بن سُلَيْمَان أَبَا أُسَامَة فِي رِوَايَته الحَدِيث من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة، وَمِنْهُم من قَالَ: عَن الْأَعْرَج عَنْهَا؛ قَالَ: وَرِوَايَة من رَوَى عَن الْأَعْرَج، عَن أبي هُرَيْرَة، عَنْهَا أولَى؛ لِأَنَّهُ زَاد، وَزِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة، وَهِي الَّتِي عوّل مُسلم عَلَيْهَا؛ أَي: وخرجها من طَرِيق أبي أُسَامَة السالفة، وَلم يخرج الرِّوَايَة الْأُخْرَى.
وَرُوِيَ أَيْضا من غير طَرِيق الْأَعْرَج وَأبي هُرَيْرَة عَنْهَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ، قَالَ: قَالَت عَائِشَة: وَفِيه: «فَوَجَدته سَاجِدا فَوضعت يَدي عَلَى قَدَمَيْهِ- يَعْنِي: أَصَابِع قَدَمَيْهِ...» الحَدِيث.
وَهُوَ مُنْقَطع؛ لِأَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم لم يدْرك عَائِشَة، كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته وَسَماهُ مُرْسلا، وَصرح بِهِ أَبُو حَاتِم بِأَنَّهُ لم يسمع مِنْهَا، وَرِوَايَة عمْرَة عَنْهَا؛ قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: خالفهم الْفرج بن فضَالة؛ فَرَوَاهُ عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن عمْرَة، عَنْهَا، وَفِيه: «فَإِذا هُوَ ساجد، فَوضعت يَدي عَلَى صُدُور قَدَمَيْهِ وَهُوَ يَقُول فِي سُجُوده...» الحَدِيث، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا رَوَاهُ، وَرِوَايَة الْجَمَاعَة أولَى بِالصِّحَّةِ.
قلت: وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أَصْغَر معاجمه من هَذَا الْوَجْه وَلَفظه: «فقدت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة فَقلت: إِنَّه قَامَ إِلَى جَارِيَته مَارِيَة! فَقُمْت ألتمس الْجِدَار، فَوَجَدته قَائِما يُصَلِّي، فأدخلت يَدي فِي شعره لأنظر اغْتسل أم لَا، فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: أخذك شَيْطَانك يَا عَائِشَة؟ قلت: ولي شَيْطَان؟ فَقَالَ: نعم وَلِجَمِيعِ بني آدم. قلت: وَلَك؟ قَالَ: نعم، وَلَكِن الله- عَزَّ وجَلَّ- أعانني عَلَيْهِ فَأسلم». ثمَّ قَالَ: لم يروه عَن يَحْيَى بن سعيد إِلَّا فرج بن فضَالة.
قلت: وَقد ضَعَّفُوهُ، وَقَالَ ابْن معِين: صَالح الحَدِيث. وَقَالَ أَحْمد: إِذا حدث عَن الشاميين فَلَيْسَ بِهِ بَأْس، لَكِن إِذا حدث عَن يَحْيَى بن سعيد أَتَى بِالْمَنَاكِيرِ.
قلت: وَهَذَا من حَدِيثه عَنهُ، وَقَول الطَّبَرَانِيّ: لم يروه، عَن يَحْيَى إِلَّا فرج بن فضَالة لَعَلَّه أَرَادَ بِهَذِهِ السِّيَاقَة- أَعنِي: عَن عمْرَة عَن عَائِشَة- وَإِلَّا فقد رَوَاهُ، عَن يَحْيَى جَعْفَر بن عون فِي الطَّرِيق السالفة المنقطعة.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: هَكَذَا رَوَاهُ يزِيد بن هَارُون ووهيب وَغَيرهمَا عَن يَحْيَى عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم عَن عَائِشَة مُرْسلا.
قلت: وَرَوَاهُ يُونُس بن خباب، عَن عِيسَى بن عمر، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا افتقدت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ فِي الْمَسْجِد، فَوضعت يَدهَا عَلَى أَخْمص قَدَمَيْهِ وَهُوَ يَقُول: أعوذ برضاك من سخطك». قَالَ أَبُو حَاتِم: عِيسَى هَذَا شيخ لَا أَدْرِي أدْرك عَائِشَة أم لَا!
فَائِدَة: الأخمص- فِي الرِّوَايَة السالفة-: مَا دخل من بَاطِن الْقدَم فَلم يصب الأَرْض فِي الْوَطْء، وأصل الخمص: الظُّهُور وَهَذَا يُوَافق رِوَايَة هِنْد بن أبي هَالة فِي وَصفه عَلَيْهِ السَّلَام «أَنه كَانَ خمصان الأخمصين» لَكِن قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عقيبها: إِنَّه خلاف مَا روينَا عَن أبي هُرَيْرَة فِي وَصفه عَلَيْهِ السَّلَام: «أَنه كَانَ يطَأ بقدميه جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ أَخْمص».
وَقَوله: «فأدخلت يَدي فِي شعره لأنظر اغْتسل أم لَا» هُوَ المُرَاد بِرِوَايَة النَّسَائِيّ: «فأدخلت يَدي فِي شعره، فَقَالَ: قد جَاءَك شَيْطَانك؟!» وَإِن كَانَ الْمُحب الطَّبَرِيّ فِي أَحْكَامه فِي ذكر الْغيرَة، قَالَ: كَذَا ضَبطه فِي الأَصْل المسموع «شعره» وَلَعَلَّه «شعاره» وَهُوَ الثَّوْب الَّذِي ينَام فِيهِ، قَالَ: وَلَعَلَّ التَّغْيِير من النَّاسِخ أَو الرَّاوِي. ثمَّ قَالَ: وَإِن صَحَّ كَمَا ضبط. فيريد- وَالله أعلم- شعر رَأسه من غير قصد، ثمَّ قَالَ: وَالْأول أظهر فقد علمت أَنه لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا كُله، وَأَن رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ مثبتة لَهَا.

.الحديث الثَّالِث عشر:

عَن بسرة بنت صَفْوَان رَضي اللهُ عَنها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من مس ذكره فَليَتَوَضَّأ».
هَذَا حَدِيث صَحِيح. أخرجه الْأَئِمَّة الْأَعْلَام أهل الْحل وَالْعقد وَالنَّقْل والنقد: مَالك فِي الْمُوَطَّأ، وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم، والإِمَام أَحْمد فِي الْمسند، وَكَذَا الدَّارمِيّ، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة: أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه، وَابْن الْجَارُود فِي المُنْتَقَى، وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتبه الثَّلَاثَة: السّنَن الْكَبِير والْمعرفَة والخلافيات، وَإِمَام الْأَئِمَّة مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، وتلميذه أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي مُسْتَدْركه عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَة الْمُتَّصِلَة.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح. وَقَالَ مُحَمَّد- يَعْنِي: البُخَارِيّ-: إِنَّه أصح شَيْء فِي الْبَاب. وَقَالَ الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح ثَابت عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: ثَنَا ابْن مخلد، ثَنَا أَبُو دَاوُد السجسْتانِي ح.
وَقَالَ الْخلال فِي علله: أَنا أَبُو دَاوُد، قَالَ: قلت لِأَحْمَد بن حَنْبَل: حَدِيث بسرة فِي مس الذّكر لَيْسَ بِصَحِيح؟ قَالَ: بل هُوَ صَحِيح. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا: هُوَ صَحِيح ثَابت. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة: هَذَا الحَدِيث وَإِن لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ فِي «كِتَابَيْهِمَا» لاخْتِلَاف وَقع فِي سَماع عُرْوَة مِنْهَا، أَو هُوَ عَن مَرْوَان، فقد احتجا بِسَائِر رُوَاة حَدِيثهمَا، وَاحْتج البُخَارِيّ بِرِوَايَة مَرْوَان بن الحكم فِي عدَّة أَحَادِيث ثمَّ سردها؛ فَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ بِكُل حَال وَإِذا ثَبت سُؤال عُرْوَة بسرة عَن هَذَا الحَدِيث كَانَ صَحِيحا عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ جَمِيعًا.
قَالَ: وَقد اسْتَقَرَّتْ الدّلَالَة عَلَى سُؤَاله إِيَّاهَا عَن هَذَا الحَدِيث وتصديقها مَرْوَان فِيمَا رَوَى عَنْهَا، وَذكر هَذِه الْمقَالة بِعَينهَا ابْن الْأَثِير فِي شرح الْمسند. وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر الْحَازِمِي: هَذَا حَدِيث لَا يخْتَلف فِي عَدَالَة رُوَاته. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: هُوَ حَدِيث صَحِيح. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه: إِسْنَاده لَا مطْعن فِيهِ. وَقَالَ ابْن الصّلاح: هُوَ حَدِيث حسن ثَابت، أخرجه أَصْحَاب السّنَن بأسانيد عديدة.
قلت: فَهَذِهِ أَقْوَال الْحفاظ قَدِيما وحديثًا تشهد لما قدمْنَاهُ من صِحَّته، وَعَلِيهِ اعتراضات عَنْهَا أجوبة ظَاهِرَة فنخوض فِيهَا ليظْهر وهنها.
الأول: أَن عُرْوَة لم يسمع هَذَا الحَدِيث من بسرة؛ إِنَّمَا سَمعه من مَرْوَان، يدل عَلَى ذَلِك أَن الشَّافِعِي رَوَاهُ عَن مَالك، عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَنه سمع عُرْوَة بن الزبير يَقُول: «دخلت عَلَى مَرْوَان بن الحكم فتذاكرنا مَا يكون مِنْهُ الْوضُوء، فَقَالَ مَرْوَان: وَمن مس الذّكر الْوضُوء. فَقَالَ عُرْوَة: مَا علمت ذَلِك. فَقَالَ مَرْوَان: حَدَّثتنِي بسرة بنت صَفْوَان أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا مس أحدكُم ذكره فَليَتَوَضَّأ».
الثَّانِي: الطعْن فِي مَرْوَان بن الحكم الرَّاوِي عَنْهَا؛ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: طعن أهل الْعلم فِيهِ. وَكَذَا قَالَ الْحَاكِم: طعن فِي مَرْوَان أَئِمَّة الحَدِيث.
الثَّالِث: جَهَالَة بسرة.
الرَّابِع: أَنه يرويهِ عَنْهَا شرطي عَن شرطي. قَالَ الْحَرْبِيّ: هَذَا حَدِيث يرويهِ شرطي عَن شرطي عَن امْرَأَة. وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ قَالَ: «أرسل مَرْوَان شرطيًّا إِلَى بسرة حَتَّى ردّ إِلَيّ جوابها».
الْخَامِس: عَن يَحْيَى بن معِين أَنه قَالَ: ثَلَاثَة أَحَادِيث لَا تصح: حَدِيث «مس الذّكر»، و«لَا نِكَاح إِلَّا بولِي»، و«كل مُسكر حرَام».
السَّادِس: قَالَ الطَّحَاوِيّ: إِن قَالُوا: فقد رَوَى هَذَا الحَدِيث: هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه، قيل لَهُم إِن هِشَام بن عُرْوَة لم يسمع هَذَا من أَبِيه، إِنَّمَا أَخذه من أبي بكر- يَعْنِي ابْن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم- وَنسبه فِي ذَلِك إِلَى التَّدْلِيس. وَعَن النَّسَائِيّ أَيْضا أَن هَذَا الحَدِيث لم يسمعهُ هِشَام من أَبِيه.
وَالْجَوَاب عَن هَذِه الاعتراضات بِفضل الله ومنته:
أما الأول: فقد صَحَّ، وَثَبت من غير شكّ وَلَا مرية سَماع عُرْوَة هَذَا الحَدِيث من بسرة أَيْضا، قَالَ ابْن حبَان فِي صَحِيحه: أَنا أَحْمد بن خَالِد الْحَرَّانِي، نَا أبي، نَا شُعَيْب بن إِسْحَاق، حَدثنِي هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، أَن مَرْوَان بن الحكم حَدثهُ، عَن بسرة بنت صَفْوَان أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا مسّ أحدكُم ذكره فَليَتَوَضَّأ». قَالَ: فَأنْكر ذَلِك عُرْوَة فَسَأَلَ بسرة فصدقته.
قَالَ ابْن حبَان: وَأَنا مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة، نَا مُحَمَّد بن رَافع، نَا ابْن أبي فديك، أَخْبرنِي ربيعَة بن عُثْمَان، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة بنت صَفْوَان مَرْفُوعا: «من مسّ فرجه فَليَتَوَضَّأ» قَالَ عُرْوَة: فَسَأَلت بسرة فصدقته. ثمَّ رَوَى ابْن حبَان- أَيْضا- من حَدِيث هِشَام، عَن أَبِيه، عَن بسرة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من مس فرجه فليعد الْوضُوء».
وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة: وَمن صَحِيحه نقلت أوجب الشَّافِعِي الْوضُوء من مس الذّكر لحَدِيث بسرة، لَا رَأيا، وَبقول الشَّافِعِي أَقُول؛ لِأَن عُرْوَة سمع حَدِيث بسرة مِنْهَا لَا كَمَا يتوهمه بعض النَّاس أَن الْخَبَر واه؛ لطعنه فِي مَرْوَان بن الحكم. وقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: سَاق حَمَّاد بن سَلمَة هَذَا الحَدِيث، وَذكر فِيهِ سَماع عُرْوَة من بسرة. قَالَ: وَمِمَّا يدل عَلَى صِحَة ذَلِك أَن الْجُمْهُور من أَصْحَاب هِشَام بن عُرْوَة رَوَوْهُ عَنهُ عَن أَبِيه، عَن بسرة، ثمَّ ذكر ذَلِكَ عَن نَيف وَعشْرين رجلا.
قَالَ: وَقد خالفهم فِيهِ جمَاعَة فَرَوَوْه عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة، ثمَّ ذكر ذَلِك عَن عشرَة أنفس، ثمَّ قَالَ: وَقد ظهر الْخلاف فِيهِ عَلَى هِشَام بن عُرْوَة من بَين أَصْحَابه، فَنَظَرْنَا فَإِذا الْقَوْم الَّذين أثبتوا سَماع عُرْوَة من بسرة أَكثر وَبَعْضهمْ أحفظ من الَّذين جَعَلُوهُ عَن مَرْوَان، إِلَّا أَن جمَاعَة من الْأَئِمَّة الْحفاظ أَيْضا ذكرُوا فِيهِ مَرْوَان، مِنْهُم مَالك بن أنس وَالثَّوْري ونظراؤهما، فَظن جمَاعَة مِمَّن لم ينعم النّظر فِي هَذَا الِاخْتِلَاف أَن الْخَبَر واه لطعن أَئِمَّة الحَدِيث عَلَى مَرْوَان، ثمَّ نَظرنَا فَوَجَدنَا جمَاعَة من الثِّقَات الْحفاظ رووا هَذَا، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة، ثمَّ ذكرُوا فِي رواياتهم أَن عُرْوَة قَالَ: ثمَّ لقِيت بعد ذَلِك بسرة فحدثتني بِالْحَدِيثِ، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا حَدثنِي مَرْوَان عَنْهَا.
قَالَ: فدلنا ذَلِك عَلَى صِحَة الحَدِيث وثبوته عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، وَزَالَ عَنهُ الْخلاف والشبهة، وَثَبت سَماع عُرْوَة من بسرة. ثمَّ سَاق بأسانيده شَوَاهِد لما ذكره، وَذكر الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا مثل هَذِه الْمقَالة فَقَالَ: كَمَا اخْتلف عَلَى هِشَام بن عُرْوَة فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث، فَرَوَاهُ جمَاعَة من الرفعاء الثِّقَات، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن بسرة وَخَالفهُم جمَاعَة من الرفعاء الثِّقَات أَيْضا فَرَوَوْه، عَن هِشَام، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة فَلَمَّا ورد هَذَا الِاخْتِلَاف عَن هِشَام أشكل أَمر هَذَا الحَدِيث، وَظن كثير من النَّاس مِمَّن لم ينعم النّظر فِي الِاخْتِلَاف أَن هَذَا الحَدِيث غير ثَابت لاختلافهم فِيهِ؛ وَلِأَن الْوَاجِب فِي الحكم أَن نقُول: القَوْل قَول من زَاد فِي الْإِسْنَاد؛ لأَنهم ثِقَات فزيادتهم مَقْبُولَة، فَحكم قوم من أهل الْعلم بِضعْف الحَدِيث لطعنهم عَلَى مَرْوَان، فَلَمَّا نَظرنَا فِي ذَلِك وبحثنا عَنهُ، وجدنَا جمَاعَة من الثِّقَات الْحفاظ رووا هَذَا الحَدِيث، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة فَذكرُوا فِي روايتهم فِي آخر الحَدِيث أَن عُرْوَة قَالَ: ثمَّ لقِيت بسرة بعد فسألتها عَن الحَدِيث فحدثتني بِهِ عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا حَدثنِي مَرْوَان عَنْهَا، فَدلَّ ذَلِك من رِوَايَة هَؤُلَاءِ النَّفر عَلَى صِحَة الرِّوَايَتَيْنِ الأولتين جَمِيعًا، وَزَالَ الِاخْتِلَاف، وَالْحَمْد لله.
فصح الْخَبَر وَثَبت أَن عُرْوَة سَمعه من بسرة مشافهة بِهِ بعد أَن أخبرهُ مَرْوَان عَنْهَا، وَبعد إرْسَاله الشرطي إِلَيْهَا، وَمِمَّا يُقَوي ذَلِك وَيدل عَلَى صِحَّته أَن هشامًا كَانَ يحدث بِهِ مرّة، عَن أَبِيه، عَن مَرْوَان، عَن بسرة، وَمرَّة، عَن أَبِيه، عَن بسرة؛ ثمَّ أوضح طرقه فِي علله فِي نَحْو من عشْرين قَائِمَة.
وَأما الْجَواب عَن الثَّانِي: فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته: مَرْوَان بن الحكم قد احْتج بِهِ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَقَالَ الْحَازِمِي: إِن الشَّيْخَيْنِ احتجا بِهِ. وناقشه فِي ذَلِك الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام فَقَالَ: هُوَ مَعْدُود من مُفْرَدَات البُخَارِيّ. وَهُوَ كَمَا قَالَ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي الْمُحَلَّى: مَرْوَان مَا يعلم لَهُ جرحة قبل خُرُوجه عَلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الله بن الزبير، وَلم يلقه عُرْوَة قطّ إِلَّا قبل خُرُوجه عَلَى أَخِيه لَا بعد خُرُوجه، هَذَا مَا لَا شكّ فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بعد أَن أخرج حَدِيث بسرة من طَرِيق مَالك السالف: عَائِذ بِاللَّه أَن نحتج بِخَبَر رَوَاهُ مَرْوَان بن الحكم وذووه فِي شَيْء من كتبنَا؛ لأَنا لَا نستحل الِاحْتِجَاج بِغَيْر الصَّحِيح من سَائِر الْأَخْبَار وَإِن وَافق ذَلِك مَذْهَبنَا، وَلَا نعتمد من الْمذَاهب إِلَّا عَلَى المنتزع من الْآثَار، وَإِن خَالف فِي ذَلِك قَول أَئِمَّتنَا. وَأما خبر بسرة هَذَا، فَإِن عُرْوَة بن الزبير سَمعه من مَرْوَان بن الحكم عَن بسرة، فَلم يقنعه ذَلِك حَتَّى بعث مَرْوَان شرطيًّا لَهُ إِلَى بسرة فَسَأَلَهَا، ثمَّ أَتَاهُم فَأخْبرهُم بِمثل مَا قَالَت بسرة، فَسَمعهُ ثَانِيًا عَن الشرطي، ثمَّ لم يقنعه ذَلِك حَتَّى ذهب إِلَى بسرة فَسمع مِنْهَا، فَالْخَبَر عَن عُرْوَة عَن بسرة مُتَّصِل لَيْسَ بمنقطع، وَصَارَ مَرْوَان والشرطي كَأَنَّهُمَا عاريتان يُسقطان من الْإِسْنَاد، ثمَّ سَاق شَوَاهِد لما ذكره.
وَأما الْجَواب عَن الثَّالِث: فكذب وافترى من ادَّعَى جَهَالَة بسرة؛ فَإِنَّهَا بسرة بنت صَفْوَان بن نَوْفَل بن أَسد بن عبد الْعُزَّى. قَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه: هِيَ من سَادَات قُرَيْش. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ عَن مَنْصُور بن سَلمَة الْخُزَاعِيّ أَنه قَالَ: قَالَ لنا مَالك بن أنس: أَتَدْرُونَ من بسرة بنت صَفْوَان؟ هِيَ جدة عبد الْملك بن مَرْوَان أم أمه؛ فاعرفوها. ثمَّ ذكر بِإِسْنَادِهِ عَن مُصعب بن عبد الله الزبيري قَالَ: بسرة هِيَ بنت صَفْوَان بن نَوْفَل بن أَسد، من المبايعات، وورقة بن نَوْفَل عَمها، وَلَيْسَ لِصَفْوَان عقب إِلَّا من قبلهَا، وَهِي زَوْجَة مُعَاوِيَة بن الْمُغيرَة بن أبي الْعَاصِ. قَالَ الْحَاكِم: وَقد رَوَى هَذَا الحَدِيث جمَاعَة من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ عَن بسرة، مِنْهُم ابْن عمر، وَابْن عَمْرو، وَسَعِيد بن الْمسيب، وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن الْأَنْصَارِيَّة، وَعبد الله بن أبي مليكَة، ومروان بن الحكم، وَسليمَان بن مُوسَى. قَالَ: وَقد روينَا عَن بسرة بنت صَفْوَان عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَمْسَة أَحَادِيث غير هَذَا الحَدِيث، قَالَ: فَثَبت بِمَا ذَكرْنَاهُ اشتهار بسرة بنت صَفْوَان وارتفع عَنْهَا اسْم الْجَهَالَة بِهَذِهِ الرِّوَايَات.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: بسرة هَذِه قرشية أسدية، خَالَة مَرْوَان بن الحكم، وَتبع فِي ذَلِك صَاحب والكمال وَإِنَّمَا هِيَ جدته كَمَا سلف.
قَالَ: وَهِي جدة عبد الْملك بن مَرْوَان، وَبنت أخي ورقة بن نَوْفَل، وَأُخْت عقبَة بن أبي معيط.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: قيل: لَا يُنكر اشتهار بسرة بنت صَفْوَان بِصُحْبَة النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ومتانة حَدِيثهَا إِلَّا من جهل مَذَاهِب التحديث وَلم يحط علما بأحوال الروَاة. قَالَ: وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي: قد روينَا قَوْلنَا عَن غير بسرة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالَّذِي يعيب علينا الرِّوَايَة عَن بسرة؛ يروي عَن عَائِشَة بنت عجرد، وَأم خِدَاش، وعدة من النِّسَاء لَيْسَ بمعروفات فِي الْعَامَّة ويحتج بروايتهن، ويضعف بسرة مَعَ سابقتها وقديم هجرتهَا وصحبتها النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد حدثت بِهَذَا فِي دَار الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وهم متوافرون، وَلم يَدْفَعهُ أحد مِنْهُم؛ بل علمنَا بَعضهم صَار إِلَيْهِ عَن رِوَايَتهَا، مِنْهُم: عُرْوَة بن الزبير، وَقد دفع وَأنكر الْوضُوء من مس الذّكر قبل أَن يسمع الْخَبَر، فَلَمَّا علم أَن بسرة روته قَالَ بِهِ، وَترك قَوْله؛ وسمعها ابْن عمر تحدث بِهِ، فَلم يزل يتَوَضَّأ من مس الذّكر حَتَّى مَاتَ، وَهَذِه طَريقَة الْعلم وَالْفِقْه. هَذَا آخر كَلَام الإِمَام الشَّافِعِي رَضي اللهُ عَنهُ وَهِي من النفائس الجليلة.
وَأما الْجَواب عَن الِاعْتِرَاض الرَّابِع: فقد كفَى فِيهِ وشفى الْحَافِظ أَبُو حَاتِم بن حبَان كَمَا أسلفناه عَنهُ فِي آخر الْجَواب عَن الثَّانِي، وَقَول إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ السالف عَلَى تَقْدِير ثُبُوته عَنهُ لَيْسَ بجيد مِنْهُ؛ لِأَن قَوْله: عَن امْرَأَة يدل عَلَى وَهن؛ وَلَيْسَ فِي الصحابيات مغمز، وَللَّه الْحَمد.
وَأما الْجَواب عَن الِاعْتِرَاض الْخَامِس: وَهِي الْحِكَايَة عَن يَحْيَى بن معِين: أَنه حَدِيث لَا يَصح، فحكاية لَا تثبت عَنهُ الْبَتَّةَ كَمَا نبه عَلَيْهِ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَحْقِيقه وَتَبعهُ الْمُنْذِرِيّ قَالَا: وقد كَانَ مذْهبه انْتِقَاض الْوضُوء بِمَسّ الذّكر، وَقد كَانَ يحْتَج بِحَدِيث بسرة كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنهُ، وَرَوَى عَنهُ عبد الْملك الْمَيْمُونِيّ أَنه قَالَ: إِنَّمَا يطعن فِي حَدِيث بسرة من لَا يذهب إِلَيْهِ.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: رَوَى مُضَر بن مُحَمَّد قَالَ: سَأَلت يَحْيَى بن معِين عَن مس الذّكر، أَي شَيْء أصح فِيهِ من الحَدِيث؟ قَالَ يَحْيَى بن معِين: لَوْلَا حَدِيث مَالك، عَن عبد الله بن أبي بكر، عَن عُرْوَة، عَن مَرْوَان، عَن بسرة؛ فَإِنَّهُ يَقُول فِيهِ: سَمِعت؛ قَالَ: سَمِعت، لَقلت: لَا يَصح شَيْء.
قلت: وَعَلَى تَقْدِير صِحَة الْحِكَايَة السَّالفة عَنهُ، فَأهل الْعلم قاطبة عَلَى خلَافهَا، فقد صَححهُ الجماهير من الْأَئِمَّة والحفاظ كَمَا أسلفناه، وَاحْتج بِهِ نُجُوم الحَدِيث، وَلَو كَانَ كَمَا ذكر لم يحتجوا بِهِ.
وَأما الْجَواب عَن الِاعْتِرَاض السَّادِس: وَهُوَ أَن هشامًا لم يسمعهُ من أَبِيه، إِنَّمَا أَخذ عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، وَنسبه فِي ذَلِك إِلَى التَّدْلِيس فَهُوَ أَن الطَّبَرَانِيّ رَوَى عَن عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل، قَالَ: حَدثنِي أبي قَالَ: قَالَ شُعْبَة: لم يسمع هِشَام حَدِيث أَبِيه فِي مس الذّكر- يَعْنِي: مِنْهُ- قَالَ يَحْيَى: فَسَأَلت هشامًا فَقَالَ: أَخْبرنِي أبي، فقد صَحَّ سَماع هِشَام من أَبِيه؛ كَمَا صَحَّ سَماع عُرْوَة من بسرة، وَرَوَاهُ الْحَاكِم أَيْضا من حَدِيث، عَمْرو بن عَلّي، عَن يَحْيَى بن سعيد، عَن هِشَام قَالَ: حَدثنِي أبي.
ثمَّ اعْلَم أَن الْحَاكِم طعن فِيمَا أَشَارَ الطَّحَاوِيّ إِلَى أَنه الصَّوَاب؛ فَقَالَ: رِوَايَة هِشَام عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم لم اأت من وَجه مُعْتَمد.
قلت: لَكِن أَتَى بهَا الطَّبَرَانِيّ من وَجه مُعْتَمد؛ فَقَالَ: حَدثنَا عَلّي بن عبد الْعَزِيز، عَن حجاج بن منهال، عَن همام بن يَحْيَى، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم، عَن عُرْوَة، وكل هَؤُلَاءِ ثِقَات.
نعم؛ هَذِه الطَّرِيقَة مرجوحة لمُخَالفَة الجم الْغَفِير إِيَّاهَا عَن هِشَام، وَذكر أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي محلاه اعتراضًا آخر، فَقَالَ: إِن قيل: خبر بسرة هَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيّ، عَن عبد الله بن أبي بكر بن عَمْرو بن حزم عَن عُرْوَة. ثمَّ أجَاب عَنهُ فَقَالَ: قُلْنَا: مرْحَبًا بِهَذَا، وَعبد الله ثِقَة، وَالزهْرِيّ لَا خلاف أَنه سمع من عُرْوَة وجالسه؛ فَرَوَاهُ عَن عُرْوَة، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن أبي بكر، عَن عُرْوَة فَهَذَا قُوَّة للْخَبَر.
قلت: فقد اتَّضَح صِحَة حَدِيث بسرة هَذَا- بِحَمْد الله وَمِنْه- وَزَالَ عَنهُ مَا طعن فِيهِ، وَلَقَد أحسن الْحَافِظ أَبُو حَامِد أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْحسن بن الشَّرْقِي تلميذ مُسلم؛ الَّذِي قَالَ فِيهِ الْحَاكِم: هُوَ صَاحب الصِّحَاح- فِيمَا حَكَى عَنهُ أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد النصراباذي الْفَقِيه- قَالَ: استقبلني أَبُو حَامِد بن الشَّرْقِي وَأَنا مُتَوَجّه إِلَى منزلي، فَقلت: أَيهَا الشَّيْخ، مَا تَقول فِي مس الذّكر؛ أيصح من جِهَة الْإِسْنَاد؟ فَقَالَ: بلَى هُوَ حَدِيث صَحِيح. فَقلت: إِن مَشَايِخ أَصْحَابك يَقُولُونَ: لَا يَصح! قَالَ: من يَقُول هَذَا؟ قلت: أَبُو بكر بن إِسْحَاق، وَأَبُو عَلّي الْحَافِظ، فَقَالَ: أما أَبُو بكر بن إِسْحَاق فقد سبق مني أَنِّي لَا أَقُول فِي حَدِيثه شَيْئا؛ وَأما أَبُو عَلّي فلقيط لَا يدْرِي مَا الحَدِيث، وَأما أَنْت فحائك، والْحَدِيث صَحِيح.
قلت: وَلم تنفرد بسرة أَيْضا بِهَذِهِ السّنة؛ بل رَوَاهَا جماعات من الصَّحَابَة عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غَيرهَا: أَبُو هُرَيْرَة، وَزيد بن خَالِد، ذكرهمَا التِّرْمِذِيّ، وَجَابِر ذكره أَيْضا، وَقَالَ الضياء فِي أَحْكَامه: لَا أرَى بِإِسْنَادِهِ بَأْسا. وَسَبقه إِلَى ذَلِك ابْن عبد الْبر؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إِسْنَاده صَالح؛ كل مَذْكُور فِيهِ ثِقَة. وَأم حَبِيبَة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَذكره التِّرْمِذِيّ أَيْضا وَقَالَ: قَالَ أَبُو زرْعَة: هُوَ حَدِيث صَحِيح، وَأعله مُحَمَّد- يَعْنِي: البُخَارِيّ- بِأَن مَكْحُولًا لم يسمع من عَنْبَسَة الرَّاوِي عَن أم حَبِيبَة.
قلت: وَبِهَذَا أعله أَبُو زرْعَة- فِيمَا حَكَاهُ ابْن أبي حَاتِم فِي مراسيله عَنهُ- وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَيَحْيَى بن معِين فِي رِوَايَة وَقَالَ ابْن عبد الْبر: صَحَّ عِنْد أهل الْعلم سَماع مَكْحُول مِنْهُ، ذكره دُحَيْم وَغَيره، وَذكر الْبَيْهَقِيّ عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح حدّث بِهِ الإِمَام أَحْمد، وَيَحْيَى بن معِين، وأئمة الحَدِيث عَن أبي مسْهر، وَكَانَ يَحْيَى بن معِين يثبت سَماع مَكْحُول من عَنْبَسَة، فَإِذا ثَبت سَمَاعه فَهُوَ أصح حَدِيث فِي الْبَاب.
وَنقل الْخلال فِي علله عَن أَحْمد أَنه صَححهُ، وَأَبُو أَيُّوب، وأرْوَى بنت أنيس، وَعَائِشَة، ذكرهم التِّرْمِذِيّ أَيْضا، وأعل أَبُو حَاتِم حَدِيث عَائِشَة كَمَا ذكره عَنهُ ابْنه فِي علله وَعبد الله بن عَمْرو، ذكره أَيْضا، وَقَالَ فِي علله قَالَ لي مُحَمَّد- يَعْنِي البُخَارِيّ-: إِنَّه عِنْدِي صَحِيح. وَكَذَا قَالَ الْحَازِمِي فِي ناسخه ومنسوخه، وَسعد بن أبي وَقاص، وَأم سَلمَة ذكرهمَا الْحَاكِم، وَجَمِيع مَا قبله أَيْضا، وَابْن عَبَّاس رَوَاهُ ابْن عدي، وَابْن عمر رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ، والنعمان بن بشير، وَأبي بن كَعْب، وَأنس بن مَالك، وَمُعَاوِيَة بن حيدة، وَقبيصَة ذكرهم ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه فَهَؤُلَاءِ سَبْعَة عشر من الصَّحَابَة رووا مثل رِوَايَة بسرة، وَذكر التِّرْمِذِيّ مِنْهُم ثَمَانِيَة وأهمل تِسْعَة وَذكر الْحَاكِم مِنْهُم عشرَة وأهمل سَبْعَة؛ فاستفدهم.
وَأما الحَدِيث الْمَشْهُور فِي هَذَا الْبَاب الَّذِي يضاد حَدِيث بسرة هَذَا فَهُوَ حَدِيث قيس بن طلق بن عَلّي، عَن أَبِيه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن مس الذّكر فِي الصَّلَاة، فَقَالَ: هَل هُوَ إِلَّا بضعَة مِنْك- أَو مُضْغَة مِنْك» رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، فانقسم النَّاس فِيهِ إِلَى مضعف لَهُ ومصحح مؤول.
فَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي علله وتَحْقِيقه من طرق وضعفها كلهَا، قَالَ: وَقيس بن طلق ضعفه أَحْمد وَيَحْيَى، وَسَبقه إِلَى ذَلِك الْبَيْهَقِيّ فِي خلافياته فأوضح علته، وَنقل هُوَ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن أبي حَاتِم أَنه سَأَلَ أَبَاهُ وَأَبا زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَا: قيس بن طلق لَيْسَ مِمَّن تقوم بِهِ حجَّة. ووهناه وَلم يثبتاه.
قَالَ الشَّافِعِي: قد سَأَلنَا عَن قيس فَلم نجد من يعرفهُ بِمَا يكون لنا فِيهِ قبُول خَبره، وَقد عَارضه من وَصفنَا ثقته ورجاحته فِي الحَدِيث وثبته- يَعْنِي: حَدِيث بسرة.
وَأما ابْن حزم؛ فَإِنَّهُ صَححهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: إِنَّه أحسن شَيْء رُوِيَ فِي هَذَا الْبَاب- يَعْنِي فِي ترك الْوضُوء مِنْهُ. وَقَالَ ابْن مَنْدَه عَن عَمْرو بن عَلّي الفلاس أَنه قَالَ: حَدِيث قيس عندنَا أثبت من حَدِيث بسرة. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا حَدِيث مُسْتَقِيم الْإِسْنَاد غير مُضْطَرب فِي إِسْنَاده وَلَا مَتنه، فَهُوَ أولَى عندنَا مِمَّا رَوَيْنَاهُ أَولا من الْآثَار المضطربة فِي أسانيدها، ثمَّ رَوَى عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه قَالَ: إِنَّه أحسن من حَدِيث بسرة، وخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه من طَرِيق عبد الله بن بدر عَن قيس، وَمن طَرِيق عِكْرِمَة بن عمار، عَن قيس بِهِ ثمَّ قَالَ: إِنَّه خبر مَنْسُوخ؛ لِأَن طلق بن عَلّي كَانَ قدومه عَلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أول سنة من سني الْهِجْرَة، حَيْثُ كَانَ الْمُسلمُونَ يبنون مَسْجِد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ.
ثمَّ سَاق كَذَلِك بِإِسْنَادِهِ، وقد رَوَى أَبُو هُرَيْرَة إِيجَاب الْوضُوء من مس الذّكر، وَأَبُو هُرَيْرَة أسلم سنة سبع من الْهِجْرَة، فَدلَّ ذَلِك عَلَى أَن خبر أبي هُرَيْرَة كَانَ بعد خبر طلق بن عَلّي بِسبع سِنِين، ثمَّ ذكر حَدِيثا بِإِسْنَادِهِ يدل عَلَى أَن طلق بن عَلّي رَجَعَ إِلَى بِلَاده بعد قَدمته.
ثمَّ قَالَ ابْن حبَان: وَلَا نعلم لَهُ رُجُوعا إِلَى الْمَدِينَة بعد ذَلِك، فَمن ادَّعَى رُجُوعه بعد ذَلِك فَعَلَيهِ أَن يَأْتِي بِسنة مصرحة، وَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى ذَلِك.
وَهَذَا الْجَواب الَّذِي ذكره أَبُو حَاتِم مَشْهُور ذكره الْخطابِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وأصحابنا فِي كتب الْمَذْهَب؛ قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «إِعْلَامه»: وَهُوَ مُحْتَمل. وَقَالَ الْحَازِمِي: وإِذا ثَبت أَن حَدِيث طلق مُتَقَدم، وَأَحَادِيث الْمَنْع مُتَأَخِّرَة وَجب الْمصير إِلَيْهَا، وَصَحَّ ادِّعَاء النّسخ فِي ذَلِك. قَالَ: ثمَّ نَظرنَا هَل نجد أمرا يُؤَكد مَا صرنا إِلَيْهِ، فَوَجَدنَا طلقًا رَوَى حَدِيثا فِي الْمَنْع، فدلنا ذَلِك عَلَى صِحَة النَّقْل فِي إِثْبَات النّسخ، وَأَن طلقًا شَاهد الْحَالَتَيْنِ، ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث الطَّبَرَانِيّ، نَا الْحسن بن عَلّي الْفَسَوِي، نَا حَمَّاد بن مُحَمَّد الْحَنَفِيّ، نَا أَيُّوب بن عتبَة، عَن قيس بن طلق، عَن أَبِيه، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من مس فرجه فَليَتَوَضَّأ».
قَالَ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه: لم يرو هَذَا الحَدِيث عَن أَيُّوب بن عتبَة إِلَّا حَمَّاد بن مُحَمَّد، وهما عِنْدِي صَحِيحَانِ- يَعْنِي: حَدِيث طلق هَذَا، وَحَدِيثه الَّذِي قبله- وَيُشبه أَن يكون سمع الحَدِيث الأول من النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل هَذَا، ثمَّ سمع هَذَا بعد، فَسمع النَّاسِخ والمنسوخ، فَوَافَقَ حَدِيث بسرة وموافقتها.
قلت: بل قَالَ ابْن الْعَرَبِيّ فِي شرح التِّرْمِذِيّ: إِن بسرة أسلمت عَام الْفَتْح فَيكون نَاسِخا مَعَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَيْضا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
وَقد اجْتمع- بِحَمْد الله وَمِنْه- فِي الْكَلَام عَلَى هَذَا الحَدِيث فَوَائِد جمة لَا تُوجد مَجْمُوعَة هَكَذَا فِي تصنيف، وَللَّه الْحَمد عَلَى ذَلِك.